بقلم د : خالد السلامى
في الخامس من أكتوبر من كل عام، يحتفي العالم بأسره بالمعلم، هذا الشخص الذي يضيء دروب المعرفة وينير العقول. إنهم البناة الصامتون الذين يصنعون الغد بأيديهم، يحملون على عاتقهم مسؤولية تربية وتعليم الأجيال المتعاقبة، ويغرسون في نفوسهم القيم التي تصنع الفارق.
في زمن تسوده التحديات والاضطرابات، يظل المعلم هو الحصن الذي يستمد منه الطلاب القوة والإلهام. في كل فصل دراسي، هناك دروس تتعدى حدود الكتاب، تصل إلى الحياة نفسها. المعلمون لا يعلمون فقط المواد الدراسية، بل يعلموننا كيف نكون بشرًا، كيف نفكر، كيف نواجه المصاعب، وكيف نؤمن بأنفسنا.
كل منا يحمل في ذاكرته معلمًا ترك بصمة لا تُنسى، معلمًا لم يكتفِ بنقل المعلومات، بل شاركنا رؤيته للعالم. ربما كان معلم الرياضيات الذي علّمنا أن كل مشكلة لها حل، أو معلم الأدب الذي جعلنا نعشق الحروف والكلمات، أو حتى معلم الفنون الذي أخرج إبداعنا من قوقعته.
المعلم يحتل مكانة عظيمة في الإسلام، فهو حامل لواء العلم والمعرفة، وبجهوده تنهض الأمم وتتقدم. لقد أكرم الإسلام العلم وأهله، ورفع من قدرهم، كما قال الله تعالى في كتابه الكريم: “يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ” (المجادلة: 11)، فالمعلمون هم من أعطي لهم فضل نشر العلم وتعليمه للناس، وهم سبب في رفع شأن الفرد والمجتمع على حد سواء.
ومن السنة النبوية الشريفة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت، ليصلون على معلمي الناس الخير” (رواه الترمذي). هذا الحديث يؤكد مكانة المعلم وعظم أجره، فالملائكة والمخلوقات كافة تدعو له بالخير لما يقدمه من علم ينفع به الناس، فهو ليس فقط معلّمًا بل رائدًا يقود الناس إلى الهداية والنجاح في الدنيا والآخرة.
المعلم هو صانع الأجيال، والموجه الذي يقود العقول نحو النور والمعرفة. لا يقتصر دوره على إيصال المعلومة فقط، بل يتجاوز ذلك إلى بناء الشخصية وغرس القيم والأخلاق في نفوس طلابه. عظمة المعلم تكمن في كونه القدوة والمثل الأعلى، فهو من يبني في الطلاب طموحاتهم ويشجعهم على تحقيق أحلامهم. بفضل جهوده، يتحول الطلاب إلى أفراد قادرين على التأثير في المجتمع وتطويره. فالمعلم كالشمس التي تشرق كل يوم لتنير درب المستقبل للأجيال، دون أن تطلب شيئاً في المقابل.
دور المعلم يتعاظم في مواجهة تحديات العصر الحديث؛ فهو من يتعامل مع جيل التكنولوجيا ويقدم لهم المعرفة بطرق مبتكرة تلائم تطلعاتهم. إن المعلم يشكل الجسر الذي يصل بين الماضي والحاضر والمستقبل، إذ يعلم الطلاب من تجارب الأجيال السابقة ويجهزهم للتحديات المستقبلية. إن دوره لا يقدر بثمن، فهو يمهد الطريق للتقدم والازدهار من خلال إعداد أجيال واعية قادرة على مواجهة التحديات وبناء المستقبل المستدام.
دولة الإمارات العربية المتحدة تولي اهتماماً كبيراً بالمعلم، إدراكاً منها لدوره المحوري في بناء الإنسان والمجتمع. تعتبر الإمارات أن التعليم هو الأساس الذي تبنى عليه النهضة، والمعلم هو حجر الزاوية في هذا البناء. لهذا السبب، تحرص القيادة الرشيدة على توفير كافة سبل الدعم والتمكين للمعلمين، سواء من خلال تحسين بيئة العمل أو تقديم برامج تدريبية متقدمة تعزز مهاراتهم وتواكب أحدث التطورات في مجال التعليم.
كما تكرم الإمارات معلميها عبر مبادرات مثل “جائزة محمد بن زايد لأفضل معلم خليجي”، التي تهدف إلى تحفيز المعلمين على الإبداع والابتكار في العملية التعليمية. إضافة إلى ذلك، تقدم الدولة برامج متقدمة للرعاية الصحية والاجتماعية للمعلمين، وتعمل على تطوير مساراتهم المهنية، إيماناً منها بأن الاستثمار في المعلم هو استثمار في مستقبل الوطن. هذا الاهتمام يعكس رؤية الإمارات نحو خلق بيئة تعليمية متقدمة ومستدامة يكون فيها المعلم محور التغيير والتطوير.
وفي اليوم العالمي للمعلم، يجب أن نتوقف لحظة لنتأمل تأثيرهم العظيم. لم يكن العالم ليصل إلى ما هو عليه اليوم لولا تفانيهم وجهودهم التي لا تقدر بثمن. هؤلاء هم أبطال التعليم الذين ينقلون الشعلة من جيل إلى جيل، يعلّموننا كيف نبحث عن المعرفة، وكيف نبني المستقبل.
في النهاية، يمكن أن نقول إن التعليم ليس مجرد مهنة؛ إنه رسالة نبيلة تحمل في طياتها القدرة على تغيير العالم، بدءًا من الفصل الدراسي. في يوم المعلم العالمي، لنشكر كل معلم ومعلمة كان لهم الفضل في أن نكون ما نحن عليه اليوم، ولنُذكّر أنفسنا بأن المعلم هو القلب النابض لأي أمة تسعى نحو التقدم والازدهار
المستشار الدكتور خالد السلامي – سفير السلام والنوايا الحسنة وسفير التنمية ورئيس مجلس إدارة جمعية أهالي ذوي الإعاقة ورئيس مجلس ذوي الهمم والإعاقة الدولي في فرسان السلام وعضو مجلس التطوع الدولي وأفضل القادة الاجتماعيين في العالم لسنة 2021 وحاصل على جائزة الشخصيه المؤثره لعام 2023 فئة دعم أصحاب الهمم وحاصل على افضل الشخصيات تأثيرا في الوطن العربي 2023 وعضو اتحاد الوطن العربي الدولي. عضو الامانه العامه للمركز العربي الأوربي لحقوق الإنسان والتعاون الدولي رئيس الهيئه الدوليه لأصحاب الهمم في مؤسسة سفراء البورد الأوروبي